أطول أسبوعان مررتُ بهن من بعد أسبوعان من العزلة.. اليوم هو السبت أجلس الآن على الكنبة أسترجع ببطء كل يوم من تلك الأيام حتى هذه اللحظة، ماذا حدث؟!
البداية كانت مع انتهاء أول أسبوع من ديسمبر، استيقظتُ مع دوخة، صداع حاد وحرارة عالية مع كحة كادت إخراج رِئتاي من مكانهما.. لم أستطع الذهاب للجامعة بوقتها ومن حُسن حظي لم يكن يوماً جامعياً مهم.
تناوب علي التعب كفترات مُتقطعة؛ ففي كل مرة أقول لقد شفيت أنتكس مجدداً، وعلى هذا الحال استمرَّ الحال لأسبوع كامل؛ أُسبوع كان من المُفترض الدراسة به فهو عطلة لامتحان الإثنين -الماضي-.. كنتُ أعيش على الأدوية، مسكنات، مضادات حيوية، أدوية كحة، ومثبطات الدوخة.
ليالٍ كنت أنام بها على بكائي؛ فما بين المرض والتعب والوحدة الشديدة كنتُ أغوص بالحضيض النفسي. أقصى ما طمحتُ له هو رؤية والديَّ فالبُعد طال ومن المستحيل أن أزورهم وهُم منشغلين بالعمل.
بيوم الجمعة الماضية، جاؤا! سفرٌ غير مُخطط له بتاتاً. سار الأمر بوتيرة سريعة ومع هذا لم آبه لأي شيء سوا سرعة استجابة الله لدعائي اللحوح بأن يُحدث أمراً يقلب الموازين بشكل جميل حتى أراهم.
حضن دافئ بعد حضن توديعهم بيوليو الفارط🫂
أول مرة أشتكي لوالدتي صعوبة الدراسة وجهاً لوجه، وأول مرة أتحصَّل فيها على مصروف جامعي من يدي والدي.. أول مرة أفطر مع والديَّ قبل الذهاب للجامعة، وأول مرة تفتح لي والدتي الباب لتستقبلَني بابتسامتها الحنونة ورائحة الغداء اللذيذ لأغوص بحضنها.
«كلها تفاصيل لا يشعر بها إلاَّ المُغترب»
لا أُحب الغربة أمقتها لأبعد حد، وأكرهُ لحظات الوداع.
كانت الجمعة والأيام التي تليها واحدة من أفضل أيام هذه السنة، فها أنا ذا بكل لحظة أتعب من الدراسة للامتحان أهرب لحضن والدتي الحصين دون قيد أو مانع فأعود للدراسة بنشاط غريب.
مقتُّ شيئاً واحداً وهو تزامن مجيئهم مع موعد امتحاني فعينٌ تدرس والأخرى تتحسر على عدم الجلوس والتسامر معهم.
أتى الإثنين وهو يوم الامتحان.. كانت دعوات ماما تزفني بحب واطمئنان. بالرغم من عدم انتهائي من كل المنهج بشكل جيد حفظاً وتثبيتاً، مع قلق نفسيتي من الامتحان؛ حيثُ أني لم أدرس جيداً بسبب المرض، ولكني خرجتُ سعيدة وراضية لأبعد حد ولله الحمد.
عند انتهائي من الامتحان وجدت جميع طلبة دفعتي مُتذمرين، ساخطين ومنزعجين بسبب أربع أسئلة متصلة ببعض مجموعها 30 درجة :)) وهذه مشكلة كبيرة فإن أخطأت بإجابة القسم الأول منها فلابد أن اعتمادك بالحل على الباقي سيكون خاطئ والنتيجة خسرتَ 30 درجة كاملة جعلتك على حافة الرسوب أو أسقطتك بتلك الحفرة :/.
طوال جلستي بالغداء كنتُ أحادثهم عن كيف أجبتُ هذا السؤال مفتخرة بذكائي “الغير موجود:)” عموماً لم تكن إلا فرصة لاستعراض مدى اهتمامي بدراستي وكيف أني أُبلي حسناً بالجامعة حتى يطمئن والدِي.
كانت تلك الأسئلة تدور حول حالة مَرضية Case.. السؤال الأول يريد التشخيص (10 درجات) الثاني يريد آلية حدوث هذه الحالة (5 درجات) والثالث يريد خمسة تفسيرات مرتبطة بأعراض المَرض (5 درجات) والأخير يريد على الأقل ثلاثة أدوية للعلاج مع ذكر آلية عمل كل واحدة (10 درجات).
بالنسبة لي صُدمت من طول السؤال وأنهم أعطوننا حالات وكما نسميها بالوسط الطبي (كايسات جمع Case)😅. أجبتُ بكل ما أعرفه لأفطن متأخرة بأنها نصف محاضرة كاملة (الله يسامح الدكتورة:).. لن أكذب وأقول بأن إجابتي مثالية ولكني بذلت قصارى جهدي.
الثلاثاء كان عقد قران شقيقتي، فما بين الجامعة والعودة قبل ساعة وكل تلك الترتيبات المُرهقة مع طن من توتر شقيقتي وطلباتها، أساسيات التقديم، الاهتمام بالضيوف وغيره الكثير.. كنتُ ضحية هذا اليوم:(
أجواء جديدة علي؛ فهي أول مَن تتزوج من الأبناء.. ومع هذا كان يوماً عائلياً مُبهجاً للغاية.
الأهداف التعليمية بجلسة الثلاثاء كانت طويلة جداً جداً جداً.. أسئلة مادة علم الأمراض لوحدها تتجاوز نصف شابتر من المَرجع!
دار الموضوع حول العيوب الخلقية للقلب Congenital heart diseases.. موضوع مثير للاهتمام ويحتاج على الأقل ليومين كاملين لدراسته.
ومع عدم دراستي للأهداف بشكل عميق إلا أن دراسة ما قبل جلسة الخميس بساعتين كانت داعماً لي ليكون تقييم المُرشدة مشيداً وشاكراً مع صفر نقطة سلبية لأدائي.. الحمدلله.
منذ مجيئي للمدينة والعيش مع أشقائي وأنا أتعرض للاستهزاء بسبب ضعفي؛ لازلتُ مُتعلقة بوالداي بشكل كبير جداً حاولتُ تقوية قلبي والزيادة من جسارتي ولكني فشلت. ذرفتُ دموعاً كثيرة ليلة الجمعة فباقي سويعات وسيسافر والداي.. والدِي لا يحب رؤية الدموع ولكني لم أستطع منع ذاتي، كنتُ الوحيدة التي ودعتهم حتى اختفت سيارتهم واكتفت شقيقاتي بالوداع من المنزل فعلى حد قولهم “الأجواء باردة بالخارج”.. وأما عني فكنتُ بحاجة ماسة للشبع من رؤيتهم.
مازحتني لمياء -شقيقتي الصغرى- قائلة:- لماذا لمَ تعودي معهم فأنتِ للآن لم تعتادي فراقهم!! (مع إضافة كلمة المقصود منها أني ضعيفة:)
أود الرد عليها هنا:- إن لي شخصية حساسة يا صغيرتي، لربما اعتدتي فراقهم وسلَّمتي به ولكني هشة النفسية ولا أحتمل بُعدهم.. ثم إني مررتُ بالكثير مما سمعته من كلام والدتي عندما كنتِ معهم ومما لم تسمعي عنه لاحتفاظي به؛ لأجدني خائفة من البُعد وبحاجة دائمة للأمان.. الأمان نفسه الذي وجدته تحت كنفهم.
أجلس الآن، أعيد تذكُّر كل التفاصيل التي أهملتها، أبكي قليلاً، أنهض من الكنبة، أجلس على كرسي مكتبتي، أفتح محاضرة، وأبدأ الدراسة.
وصلتُ إلى ما يزيد عن سبعمائة كلمة.. أريد كتابة المزيد ولكني خائفة، يكفي افتضاح للمشاعر حتى هذه اللحظة، سأكتب مجدداً عندما آخذ نفَسِي وأُعيد لكينونتي غلافي الدافئ.🦋
لا صور كثيرة بهذه التدوينة، القليل من الأمور اللطيفة مع طنٍ من الفضفضة والتفاصيل الكئيبة.. عُذراً إن كانت تدوينتي سيئة.
كُتبت بيوم الجمعة 2022|12|23.
نُقحت بيوم السبت 2022|12|24.
نُشرت بيوم الإربعاء 2022|12|28.